
مع تطور التقنيات الحديثة، بات الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا متزايدًا في تشكيل واقعنا الرقمي، حيث نشهد اليوم ظاهرة جديدة تتمثل في ظهور “النجوم الافتراضيين”. هؤلاء المؤثرون ليسوا بشرًا حقيقيين، بل شخصيات رقمية صُنعت بواسطة خوارزميات وبرمجيات متقدمة. ومع ذلك، فإنهم يملكون تأثيرًا قويًا على الجمهور، مما يثير تساؤلات حول مستقبل الصناعة الإبداعية وتسويق العلامات التجارية.
وجوه صُنعت بالخوارزميات
تتجلى هذه الظاهرة عبر شخصيات رقمية تولّدها الحواسيب، وتبدو وكأنها أشخاص حقيقيون من حيث المظهر والسلوك. يعتمد ابتكار هذه الشخصيات على تقنيات متطورة مثل التصميم ثلاثي الأبعاد، والرسوم المتحركة، والذكاء الاصطناعي التوليدي، وحتى معالجة الصوت. ما يجعل هذه الشخصيات قادرة على التفاعل مع الجمهور بطريقة تُقنع المشاهدين بأنها حقيقية.
ظهرت أولى هذه الشخصيات الافتراضية على منصة “إنستغرام” منتصف العقد الماضي، ومع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي مثل تقنيات التزييف العميق (Deepfake) والنماذج التوليدية، أصبحت هذه الشخصيات أكثر إقناعًا وواقعية. بل إن بعضها، مثل “ميا زيلو”، استطاع أن يخدع المتابعين، على الرغم من تعريفها الواضح لنفسها بأنها مؤثرة رقمية.
لماذا يلجأ العالم إلى المؤثرين الافتراضيين؟
هناك العديد من الأسباب التي تدفع الشركات والعلامات التجارية لاستخدام المؤثرين الافتراضيين، من بينها:
التحكم الكامل بالسردية:
المؤثر الرقمي لا يخرج عن النص ولا يرتكب الأخطاء البشرية، مما يمنح الشركات راحة البال عند التعامل معه.
الوصول العالمي:
يمكن برمجة هذه الشخصيات للتفاعل مع مختلف الثقافات واللغات، مما يسهل الوصول إلى جمهور عالمي دون حواجز.
التكاليف الاقتصادية:
رغم أن تصميم الشخصيات الرقمية يتطلب استثمارًا كبيرًا في البداية، إلا أنها تُعدّ أكثر كفاءة على المدى الطويل. على سبيل المثال، لا يمرض المؤثر الرقمي، ولا يشيخ، ولا يحتاج إلى جداول تصوير مرهقة.
تأثير النجوم الافتراضيين على الصناعات الإبداعية
مع تزايد الاعتماد على المؤثرين الافتراضيين، بدأت الصناعات التقليدية مثل التمثيل والموسيقى تواجه تحديات جديدة. على سبيل المثال، نجحت فرقة موسيقية افتراضية مثل “ذا فيلفت صن داون” في تحقيق ملايين المستمعين على منصات الموسيقى، قبل أن يتبين أنها مدعومة بالكامل بالذكاء الاصطناعي.
لكن هذا التحول لم يمر دون انتقادات. فقد أثار ظهور ممثلة افتراضية مثل “تيلي نوروود” غضب الفنانين، الذين اعتبروا أن الشخصيات الرقمية تسرق الإبداع البشري دون تعويض عادل. وفي قطاع الموسيقى، وقّع أكثر من 200 موسيقي بارز رسالة مفتوحة تطالب شركات التقنية بوضع قيود على استخدام الذكاء الاصطناعي في توليد الموسيقى.
تحديات الأصالة والمصداقية
على الرغم من مظهرهم البشري المتقن، يعاني المؤثرون الافتراضيون من مشكلة كبيرة تتعلق بالأصالة. فالجمهور يبحث عن الصدق والعفوية في المحتوى الذي يستهلكه، وهو ما يفتقر إليه المؤثر الرقمي بحكم كونه مبرمجًا مسبقًا. أظهرت دراسة أجرتها جامعة فلوريدا أن المستهلكين يرون المؤثرين الافتراضيين أقل “أصالة”، ما ينعكس سلبًا على رغبتهم في شراء المنتجات التي يروجون لها.
ازدهار السوق وتحديات المستقبل
يشهد سوق المؤثرين الرقميين نموًا كبيرًا، حيث تشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 30% من ميزانيات التسويق عبر المؤثرين ستُخصص للمؤثرين الافتراضيين بحلول عام 2026. رغم ذلك، تُظهر الأسواق الغربية مثل الولايات المتحدة وبريطانيا تفاعلًا أقل مع هذه الشخصيات مقارنة بالأسواق الآسيوية مثل الهند والإمارات.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه المؤثرين الافتراضيين هو قدرتهم على بناء روابط عاطفية حقيقية مع الجمهور. ففي حين أن المؤثر البشري يعتمد على تجربته الشخصية ومشاعره، يفتقر المؤثر الافتراضي إلى هذه السمات الإنسانية، مما يجعله أقل تأثيرًا في بعض الحالات.
