
تسعى المملكة العربية السعودية إلى ترسيخ مكانتها كقوة عالمية رائدة في مجال التكنولوجيا الكمية، وذلك من خلال تبني إستراتيجيات طموحة تهدف إلى دمج الاقتصاد الكمي في مختلف جوانب التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتعكس هذه الجهود رؤية المملكة 2030 التي تركز على تنويع الاقتصاد وتعزيز الابتكار التكنولوجي.
الاقتصاد الكمي: رؤية طموحة ومبادرات وطنية
بدأت السعودية رحلتها نحو الاقتصاد الكمي من خلال “مركز الثورة الصناعية الرابعة” (C4IR)، الذي أطلق مشروع الاقتصاد الكمي بهدف وضع إستراتيجية وطنية شاملة لتطوير هذا المجال الناشئ. وقد أصدر المركز تقريره الافتتاحي بعنوان “المشهد الاقتصادي الكمي في السعودية”، الذي يسلط الضوء على قدرات المملكة الحالية والتحديات التي تواجهها في هذا المجال.
تركز المبادرات السعودية على تعزيز التعاون بين الحكومة والقطاع الخاص لدفع عجلة البحث والتطوير. وتعمل المملكة على تهيئة بيئة بحثية متقدمة تتيح للعلماء والمهندسين تجربة خوارزميات الكم وهندسة الأجهزة، مما يساعد على تحويل الأفكار إلى تطبيقات واقعية تسهم في تحقيق النمو الاقتصادي.
الشراكات الإستراتيجية لتعزيز الحوسبة الكمية
في مايو 2024، وقعت شركة أرامكو السعودية اتفاقية مع شركة “باسكال” لاستخدام أول حاسوب كمي في المملكة. كما دخلت أرامكو في شراكة مع شركة “آي بي إم” لإنشاء مركز ابتكار مخصص لاستكشاف إمكانيات الحوسبة الكمية في قطاع الطاقة وقطاعات أخرى. بالإضافة إلى ذلك، تتعاون مدينة نيوم مع شركة “أركيت” لتطوير منصة للأمن السيبراني تعتمد على التقنيات الكمية لحماية المدن الذكية من التهديدات السيبرانية.
هذه الشراكات الإستراتيجية لا تهدف فقط إلى تطوير التكنولوجيا الكمية، بل تسهم أيضًا في تعزيز مكانة المملكة عالميًا من خلال جذب الاستثمارات والخبرات الدولية.
الاستثمار في تنمية المواهب والتعليم
إدراكًا لأهمية بناء قوة عاملة ماهرة في مجال التكنولوجيا الكمية، أطلقت السعودية العديد من المبادرات لدعم التعليم والتدريب في هذا المجال. قامت الجامعات والمؤسسات البحثية بإنشاء مراكز أبحاث متخصصة وتصميم مناهج دراسية تركز على ميكانيكا الكم وتطبيقاتها. كما تنظم المملكة فعاليات مثل “الهاكاثونات الكمية” لدعم الابتكار وتعزيز المهارات العملية.
تعمل أيضًا مبادرات مثل “أكاديمية طويق” على تطوير المواهب وتعزيز الوعي المجتمعي بأهمية التكنولوجيا الكمية. ويسعى “مركز الثورة الصناعية الرابعة” من خلال منصة UpLink التابعة للمنتدى الاقتصادي العالمي إلى تشجيع الباحثين والشركات الناشئة على تقديم حلول كمية مبتكرة لمعالجة التحديات الاجتماعية والبيئية.
مقارنة دولية: موقع السعودية بين القوى العالمية
تتنافس الدول الكبرى على الريادة في مجال التكنولوجيا الكمية. فقد خصصت الولايات المتحدة أكثر من 1.2 مليار دولار لأبحاث الكم، بينما تستثمر الصين بشكل كبير في الاتصالات الكمومية والتشفير بقيمة تصل إلى 15.3 مليار دولار. كما أطلقت الهند واليابان والمملكة المتحدة برامج وطنية طموحة لدعم تطوير التكنولوجيا الكمية.
في هذا السياق، تسعى السعودية إلى أن تكون ضمن رواد هذا المجال من خلال استثماراتها وشراكاتها الإستراتيجية، مما يعزز موقعها كقوة رئيسية في الثورة الكمية الناشئة.
مستقبل الاقتصاد الكمي في السعودية
تُظهر الجهود السعودية الطموحة التزامها بتطوير التكنولوجيا الكمية ودمجها في مختلف القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك الطاقة، والاتصالات، والأمن السيبراني. من خلال هذه المبادرات، تهدف المملكة إلى بناء نظام بيئي قوي للابتكار الكمي يساهم في تحقيق التنمية المستدامة وتعزيز النمو الاقتصادي.